سيف دَمُكْلِيس

   كان في سالف الزمان ملكٌ اسمه "ديونيسْ"! وكان ظالمًا قاسي القلب عديم الرحمة بغيضًا إلى شعبه، حتّى أطلق عليه لقب الملك الظالم المكروه. فلم يحبّه إلّا القليل من الناس؛ وكان هذا الملك يعيش في جوّ مليء بالوساوس والمخاوف والحذر من موت مفاجىءٍ يداهمه به أحد الأعداء.

   إنّما كان هذا الملك غنيًّا جدًا، يعيش في قصر فخم لا يضاهيه قصر في العالم، يضمّ بين جوانبه أجمل الأشياء وأثمنها، فيه رهط كبير من الخدم والحشم المعدّين لخدمة الملك وتنفيذ أوامره السنيَّة.

   وكان لهذا الملك صديق اسمه " دَمُكْليس " فزاره ذات يوم وقال له: - ما أسعدك أيّها الملك وما أكبر حظك وأرفع نجمك! فكلّ ما يرغبه الإنسان ويستطيبه لتحت أمرك وطوع بنانك.

فأجابه صديقه الطاغية: - يظهر لي أنّك تحبّ أن نتبادل منصبينا فتحلّ ملكًا مكاني.

فقال "دمكليس": - ليس هذا ما أحبّ أيّها الملك، إنّما يخطر ببالي لو أتمكّن أن تكون لي ثروتك وغناك ومسرّاتك يومًا واحدًا، فتحصل لي سعادة وهناء لا مزيد عليهما.

فقال الملك الظالم: - سيكون لك ما توَدّ.

   وفي اليوم التالي جيء "بدمكليس" إلى القصر وأمر الخدم والعبيد أن يعاملوه معاملة سيّدهم ومليكهم. وعند تناول الغداء جلس الضيفُ على المائدة الملكيّة في قاعة الولائم وقُدّم له أفخر الأطعمة وأشهاها وأكثرها، وتوفّرت لديه جميع عوامل السرور والغبطة، فدارت كؤوس الخمر اللذيذ، وانتشرت باقات الأزهار ذات اليمين وذات اليسار وعبقت سماء البهو بالروائح العطريّة، وتجاوبت في أنحاء القصر نغمات الموسيقى الشجيّة المفرحة. جلس الضيف على أريكة وثيرة بين المناظر الخلّابة، فشعر في نفسه أنه أسعد إنسان في العالم.

   وفيما هو سابح في بحر الملذّات إذ حانت منه التفاتة إلى سقف الإيوان. وكم كانت حيرته واضطرابه شديدين عندما رأى سيفًا مُصلّتًا مُعلّقًا فوق رأسه بشعرةٍ من ذنب حصان. ماذا يحلّ به إذا سقط ذلك السيف القاطع الحادّ الرأس وليس هذا بعسير، إذ إنّ الشعرة عُرضة في كلّ هنيهةٍ للانفلات أو الانقطاع والخطر الدائم يهدّد حياته بالموت.

   فتُرت ابتسامة "دمكليس" ثمّ تلاشت، وامتقع وجهه بصفرة الزعفران، وأخذت يداه ترتجفان، وانطبق فكّاه وأحجم عن الأكل، ولم يعد يستطيع تناول كأس الخمر أو يجد لذّة في الموسيقى، وصار همّه الأوحد أن يترك القصر وينصرف إلى أي مكان آخر حيث يطيبُ له العيش الطليق.

التفت الملك إليه ورأى وجهه شاحبًا فسأله قائلًا:

- ما لك؟

فصاح "دمكليس":

- ذلك الحسام! ذلك الحسام!

   وقد أخذ الخوف والاضطراب منه مأخذًا كبيرًا حتّى لم يعد يجرأ على الحركة.

فقال "ديونيس":

- نعم، إنّي أعلم أنّ فوق رأسك حسامًا قد يقع بين هنيهة وأخرى، ولكن ما سبب اضطرابك الشديد هذا؟ إنّ فوق رأسي حسامًا مصلّتًا أبدًا يقضّ مضجعي ولا آمن على حياتي دقيقة واحدة.

فقال "دمكليس":

- دعني أنصرف. أدركت الآن أنّي كنت غير مصيب فيما قلت لك وإنّ الأغنياء وذوي السلطان ليسوا سعداء كما يتوهّم الناس. دعني أعد إلى بيتي العتيق الجاثم في تلك القرية المتواضعة الساكنة بين الجبال والوهاد حيث العيش الساذج الهنيء.

   وانصرف "دمكليس" ولم يعد يخطر بباله، ما عاش، أن يطمح إلى الغنى أو أن يستبدل عيشه بعيش آخر ولو يومًا واحدًا.

المغزى: من قنع استغنى.                                                                            

                                    يوسف س. نويهض